فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)}.
المصيبة عذاب في الدنيا على كفرهم، وجواب {لولا} محذوف يقتضيه الكلام تقديره لعاجلناهم بما يستحقونه، وقال الزجاج: تقديره لما أرسلنا الرسل، وقوله: {جاءهم الحق} يريد القرآن ومحمدًا عليه السلام، والمقالة التي قالتها قريش {لولا أوتي مثل ما أوتي موسى} كانت من تعليم اليهود لهم قالوا لهم لم لا يأتي بآية باهرة كالعصا واليد ونتق الجبل وغير ذلك، فعكس الله عليهم قولهم ووقفهم على أنه قد وقع منهم في تلك الآيات ما وقع من هؤلاء في هذه، فالضمير في {يكفروا} لليهود، وقرأ الجمهور {ساحران} والمراد بهما موسى وهارون قاله مجاهد، وقال الحسن: موسى وعيسى وقال ابن عباس: موسى ومحمد، وقال الحسن أيضًا: عيسى ومحمد عليهما السلام، والأول أظهر، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم {سحران} والمراد بهما التوراة والإنجيل، قال عكرمة، وقال ابن عباس: التوراة والقرآن، وقرأ ابن مسعود: {سحران اظاهرا} وهي قراءة طلحة والضحاك.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يريد ب {ما أوتي موسى} أمر محمد الذي في التوراة كأنه يقول وما يطلبون بأن يأتي ب {مثل ما أوتي موسى} وهم قد كفروا في التكذيب بك بما أوتيه موسى من الإخبار بك، وقوله: {إنا بكل كافرون} يؤيد هذا التأويل، و{تظاهرا} معناه تعاونا، وقوله تعالى: {قل فأتوا بكتاب من عند الله} الآية، هذه حجة أمره الله تعالى أن يصدع بها، أي أنتم أيها المكذبون بهذه الكتب التي قد تضمنت الأمر بالعبادات ومكارم الأخلاق ونهت عن الكفر والنقائص ووعد الله تعالى مع ذلك الثواب عليها الجزيل إن كان تكذيبهم لمعنى وبحال صحة {فأتوا بكتاب من عند الله} يهدي أكثر من هدي هذه أتبعه معكم، ثم قال تعالى: {فإن لم يسجيبوا لك} وهو قد علم أنهم لا يستجيبون على معنى الإيضاح لفساد حالهم، وسياق القياس البيان لأنهم متبعون لأهوائهم، ثم عجب تعالى من ضلال من تبع هواه بغير هداية ولغير مقصد نير وقرر على ذلك على جهة البيان أي لا أحد أضل منه. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ}.
يعني: بِامرأتِهِ {آنَسَ} يعني: أبصر {مِن جَانِبِ الطور نَارًا قَالَ لاِهْلِهِ امكثوا} يعني: قفوا مكانكم {فَلَمَّا قضى مُوسَى الاجل وَسَارَ بِأَهْلِهِ ءانَسَ} أي: خبر الطريق {أَوْ جَذْوَةٍ مّنَ النار} قرأ عاصم {جَذْوَةٍ} بنصب الجيم، وقرأ حمزة بضم الجيم، وقرأ الباقون بالكسر، فهذه لغات معناها واحد، وهو قطعة من النار.
ويقال: شعلة، وهو عود قد احترق {لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} أي: لكي تصطلوا من البرد، فترك امرأته في البرية وذهب.
{فَلَمَّا أتاها} يعني: النار {نُودِىَ مِن شَاطِىء الوادى الايمان} يعني: من جانب الواد الأيمن عن يمين موسى عليه السلام {فِى البقعة المباركة} يعني: من الموضع المبارك الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام {مِنَ الشجرة أَن ياموسى موسى إِنّى أَنَا الله رَبُّ العالمين} يعني: الذي يناديك رب العالمين.
قوله عز وجل: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ولى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقّبْ} وقد ذكرناه.
قال الله تعالى: {يُعَقّبْ ياموسى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الامنين} يعني: من الحية يعني: قد آمنت أن ينالك منها مكروه {اسلك يَدَكَ} أي: أدخل يدك {فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب} أي: يدك.
قال بعضهم: هذا ينصرف إلى قوله ولم يعقب من الرهب، أي: لم يلتفت من الخوف.
ويقال: كان خائفًا، فأمره بأن يضم يده إلى صدره، ففعل حتى سكن عن قلبه الرعب.
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {مِنَ الرهب} بنصب الراء والهاء، وقرأ عاصم في رواية حفص بنصب الراء، وجزم الهاء، والباقون {الرهب} بضم الراء، وجزم الهاء.
ومعنى ذلك كله واحد، وهو الخوف.
وقال بعضهم: هو الكريم.
ثم قال: {فَذَانِكَ برهانان مِن رَّبّكَ} يعني: اليد والعصا آيتان وعلامتان من ربك وحجتان لنبوتك.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو.
{فَذَانِكَ} بتشديد النون.
وقرأ الباقون بالتخفيف، وهما لغتان، وهو الإشارة إلى شيئين.
يقال للواحد: ذلك وذاك، والاثنين ذانك وذاناك.
{إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} ومعناه: أرسلناك إلى فرعون بهاتين الآيتين {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فاسقين} يعني: عاصين {قَالَ} موسى {رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} به {وَأَخِى هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَانًا} يعني: أبين مني لسانًا وكانت في لسان موسى عقدة من النار التي أدخلها فاه {فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ رِدْءًا} أي عونًا {يُصَدّقُنِى} يعني: لكي يصدقني، ويعبر عن كلامي.
قرأ نافع {ردًا} بغير همز، والباقون بالهمز، فمن قرأ بالهمز، فهو الأصل، ومن قرأ بغير همز، فإنما ألقى فتحة الهمزة على الدال، وليّن الهمزة.
وقرأ عاصم وحمزة {رِدْءًا يُصَدّقُنِى} بضم القاف، والباقون بالجزم، فمن قرأ بالجزم جعله جواب الأمر، ومن قرأ بالضم جعله صفة ردءًا أي ردءًا مصدقًا ثم قال: {إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ} أي فرعون وقومه {قَالَ} الله تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} أي: نقويك بأخيك {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا} يعني: حجة ثانية، وهي اليد والعصا {فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا باياتنا} يعني: لا يقدرون على قتلكما {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} يعني: من آمن بكما الغالبون في الحجة.
قوله عز وجل: {فَلَمَّا جَاءهُم موسى بآياتنا بينات} يعني: جاء إلى فرعون وقومه بعلاماتنا، وذكر في رواية مقاتل أن فرعون لم يأذن لهما إلى سنة.
وقال في رواية السدي وغيره: أنه لما جاء إلى الباب، لم يأذن له البواب، فضرب عصاه على باب فرعون ضربة، ففزع من ذلك فرعون وجلساؤه، فدعا البواب وسأله، فأخبره أن بالباب رجلًا يقول: أنا رسول رب العالمين، فأذن له.
فدخل فأدى الرسالة وأراهم العلامة.
فقالوا هذا سحر، فذلك قوله عز وجل: {قَالُواْ مَا هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى} يعني: ما هذا الذي جئت به إلا كذب مختلق يعني: الذي جئت به ما هو إلا سحر قد اختلقته من ذات نفسك {وَمَا سَمِعْنَا بهذا في ءابَائِنَا الاولين وَقَالَ مُوسَى} قرأ ابن كثير بغير واو.
وقرأ الباقون بالواو، فمن قرأ بالواو، فهو عطف جملة على جملة، ومن قرأ بغير واو، فهو استئناف قال موسى: {رَبّى أَعْلَمُ بِمَن جَاء بالهدى مِنْ عِندِهِ} يعني: أنا جئت بالهدى من عند الله {وَمَن تَكُونُ لَهُ عاقبة الدار} يعني: هو أعلم بمن تكون له الجنة والنار.
ويقال: بمن يكون له عاقبة الأمر والدولة.
قرأ حمزة والكسائي، {وَمِنْ يَكُونَ} بلفظ التذكير وقرأ الباقون {تَكُونُ} بلفظ التأنيث.
ثم قال: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} يعني: لا يأمن الكافرون من عذابه {وَقَالَ فِرْعَوْنُ} لأهل مصر {فِرْعَوْنُ يا أيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى} فلا تطيعوا موسى وهذه إحدى كلمتيه التي أخذه الله بهما.
والأخرى.
{فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الاعلى} [النازعات: 24].
ثم قال: {فَأَوْقِدْ لِى ياهامان ياهامان عَلَى الطين} أي: أوقد النار على اللبن حتى يصير آجرًا.
قال مقاتل: وكان فرعون أول من طبخ الآجر وبنى به {فاجعل لّى صَرْحًا} أي: قطرًا طويلًا منه، وهو المنارة {لَّعَلّى أَطَّلِعُ} السماء {إلى إله موسى} يعني: وأقف عليه، فبنى الصرح، وكان بلاطه خبث القوارير، وكان الرجل لا يستطيع القيام عليه من طوله مخافة أن تنسفه الرياح، وكان طوله في السماء خمسة آلاف ذراع، وعرضه ثلاثة آلاف ذراع، فلما فزع من بنائه جاء جبريل عليه السلام فضرب جناحه على الصرح، فهدمه ثم قال تعالى: {وَإِنّى لاظُنُّهُ مِنَ الكاذبين} أي: أحسب موسى بما يقول أن في السماء إلهًا من الكاذبين.
قوله عز وجل: {واستكبر هُوَ وَجُنُودُهُ في الأرض} يعني: استكبر فرعون عن الإيمان هو وقومه {بِغَيْرِ الحق} يعني: بغير حجة {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ} يعني: وحسبوا أنهم {إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ} بعد الموت.
قرأ نافع وحمزة والكسائي {لاَ يَرْجِعُونَ} بنصب الياء، وكسر الجيم.
وقرأ الباقون بضم الياء، أي: لا يردون بمعنى التعدي قول الله تعالى: {فأخذناه وَجُنُودَهُ} يعني: عاقبناه وجنوده {فنبذناهم في اليم} يعني: أغرقناهم في البحر وقال مقاتل في النيل {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة الظالمين} يعني: المشركين {وجعلناهم أَئِمَّةً} يعني: خذلناهم حتى صاروا قادة ورؤساء للضلال والجهال {يَدْعُونَ إِلَى النار} يعني: إلى عمل أهل النار.
ويقال: إلى الضلالة التي عاقبتها النار {وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ} يعني: لا يمنعون من عذابي {وأتبعناهم في هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً} أي: عقوبة وهو الغرق {وَيَوْمَ القيامة هُمْ مّنَ المقبوحين} أي: من المهلكين.
والعرب تقول: قبحه الله أهلكه الله.
ويقال: {وأتبعناهم في هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً} وذلك أنهم لما أهلكوا لعنوا، فهم يعرضون على النار غدوة وعشية إلى يوم القيامة، ويوم القيامة هم من المقبوحين الممقوتين المهلكين.
ويقال: {مّنَ المقبوحين} أي: من المعذبين ويقال: إنه قبح صورتهم.
ويقال: {مّنَ المقبوحين} أي من: المشوهين.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب} يعني: أعطيناه التوراة {مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا القرون الاولى} بالعذاب أي: من بعد قوم نوح وعاد وثمود {بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} يعني: هلاكهم بصيرة للناس وغيرهم.
ويقال: بصائر.
يعني: الكتاب بيانًا لبني إسرائيل، ومعناه: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب بَصَائِرَ} أي مبينًا للناس {وهدى} من الضلالة لمن عمل به {وَرَحْمَةً} لمن آمن به من العذاب {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي: لكي يتعظوا، فيؤمنوا بتوحيد الله {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربى} أي: ما كنت يا محمد بناحية الجبل من قبل المغرب {إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر} يعني: إذ عهدنا إليه بالرسالة.
ويقال: أحكمنا معه، وعمدنا إليه بأمرنا ونبينا {وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين} يعني: حاضرين لذلك الأمر {وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ العمر} أي الأجل فنسوا عهد الله ونسوا أمره {وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا في أَهْلِ مَدْيَنَ} أي مقيمًا في أهل مدين {تَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياتنا} يعني: تتلو على أهل مكة القرآن يعني: أن الله تعالى أعلمك أخبار الأمم الماضية من حديث موسى وشعيب عليهما السلام ليكون علامة لنبوتكم حيث يخبرك بخبر موسى، ولم تكن حاضرًا هناك، ولم تكن تقرأ القرآن {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} إليك لتخبرها بخبر أهل مدين، وبخبر موسى.
ويقال: {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} يعني: أرسلناك رسولًا، وأنزلنا هذه الأخبار، لتخبرهم لولا ذلك لما علمتها.
قوله عز وجل: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور} يعني: بناحية الجبل الذي كلّم الله به موسى.
يعني: عن يمين موسى، ولولا ذلك {إِذْ نَادَيْنَا} يعني: كلمنا موسى.
ويقال: إذ نادينا أمتك، وذلك أن الله تعالى لما وصف نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فأحب موسى أن يراهم قال الله تعالى لموسى: إنك لن تراهم وإن أحببت أسمعتك كلامهم، فأسمعه الله تعالى كلامهم، وقال أبو هريرة رضي الله عنه معنى قوله: {إِذْ نَادَيْنَا} يعني: نودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني.